يتخوف كثير من الأزواج من الكشف عن أسرارهم نظرا لقلقهم من أن تتغير صورتهم في عيون أزواجهم أو أن يفقدوا حبهم، وبمراجعة العديد من الدراسات النفسية أتضح أن الأزواج الذين يفصحون عن أسرار عميقة محبوبون أكثر من الذين لا يقدمون علي ذلك حيث أن الناس غالبا يبوحون بأسرارهم لمن يحبون....
د.محمد المهدي أستاذ ورئيس قسم الطب النفسي بكلية طب دمياط جامعة الأزهر له رأي في هذا الموضوع يوضحه بقوله: ان هناك بعض التساؤلات تدور في ذهن معظم الأزواج مثل: هل كتمان بعض الأسرار بيننا يعتبر نوعا من الكذب؟ وهل المصارحة بيننا ضرورية وبشكل مطلق أم لها حدود؟.. وما هي هذه الحدود إن وجدت؟ وإذا صارحت المرأة زوجها بأسرارها، فكيف تضمن عدم إستغلاله لتلك الأسرار خاصة وقت الخلافات أو بعد الإنفصال؟ وهل تحكي له عن خطبتها السابقة بالتفاصيل أم تذكرها إجمالا؟ وهل يحكي هو أيضا لها عنها أم لا؟ وإذا أخفت الزوجة مثل هذه الأمور فما الحل إذا عرفها هو عن طريق آخر؟ وهل بالفعل توجد أسرار لا يصح البوح بها للزوج أو للزوجة مهما كانت العلاقة قوية؟..
وهنا لابد أن نوضح أنه كلما كانت الصراحة بين الزوجين أكثر كانت الثقة أكبر بينهما، حيث أن كتمان بعض الأسرار أو إخفاء الحقيقة أو جزء منها يعتبر نوعا من الكذب، وهو لا يقل خطورة عن الكذب نفسه، بالإضافة إلي انه قد تكون معرفة هذا السر شيئا مهما للطرف الآخر في تحديد مواقفه أو إتخاذ قراراته، وذلك كالتعتيم علي مشكلات تربوية تتعلق بالأبناء وتتطلب من الأب إتخاذ بعض الإجراءات، كما أن المبالغة في إخفاء الأسرار تجعل الزوج يعيش في عالم وهمي ويعيش في الظلام ولا يعرف الكثير عن أقرب مخلوق له وهو زوجته -ونفس الحال بالنسبة للزوجة.
ولأن لكل قاعدة ما يشذ عنها فهناك بعض الأشياء الخاصة في حياة الأزواج يفضلون أن يقترب منها أحد حتي ولو كان شريك حياتهم، فهي محل إسرار شديدة الحساسية والخصوصية، ولقد أجريت دراسة علمية في ألمانيا علي مجموعة من النساء لمعرفة نسبة الأسرار التي يفصحن عنها والأسرار التي يحتفظن بها فوجد أن هناك10% من الأسرار تحتفظ بها المرأة بشكل مطلق ولا تبوح بها لأحد مهما كان، بينما تستطيع أن تبوح ب60% من أسرارها لزوجها أو أمها أو أختها أو إحدي صديقاتها المقربات، وقد تختلف هذه النسب من امرأة لأخري، وتختلف بالطبع بين الرجال والنساء، فالنساء أكثر إفصاحا من الرجال ولذلك قيل إن السر سم في فم المرأة لو إبتلعته قتلها، ولكن النتيجة النهائية هي أن بعض الأشياء تقال وأخري لا.
وهذا يفسر لنا لماذا يحتفظ الزوجين ببعض أسرارهما، حيث يعد الخوف هو أحد وأهم الأسباب، فالخوف من تغير الصورة الشخصية لدي الطرف الآخر كالرفض وعدم القبول، أو من إستغلال تلك الأسرار أو إفشائها للآخرين، أو الخوف أيضا من أن يؤدي هذا إلي الشك في الطرف الآخر قد لا يستطيع الخلاص منه خاصة إذا كان هذا الطرف يتسم بالغيرة الشديدة، ثم الخوف من إضطراب الحياة الزوجية أو حتي إنتهائها بعد إفشاء هذا السر.
ولكن إذا تعلمنا أسلوب الكشف عما بداخلنا من أسرار يصبح الأمر أسهل بكثير مما نتخيله أو نعتقده، وذلك يبدأ حين نجيب لأنفسنا أولا علي ماذا ولماذا ومتي وكيف نكشف عن السر، فإذا إستطعنا أن نجيب عن هذه الأسئلة بوضوح فاننا بذلك نكون علي الطريق الصحيح للتعامل مع الأسرار، حيث أن الإفصاح عن السر ليس فعلا منقطعا عما قبله وما بعده، بل هو يتم في سياق يسبقه أشياء تمهد له ويتبعه أشياء تستوعب تداعياته سلبا وإيجابا، بمعني أنه لا يصح أن نرمي السر هكذا دون تمهيد قبله ودون متابعة بعده.. وبعد ذلك هناك بعض القواعد من الأفضل إتباعها في طريقة الكشف عما بداخلنا كما يوضح د.المهدي: وهي أنه إذا كان هذا السر خطيرا أو يتوقع أن تكون له تداعيات صعبة فيجب مناقشته أولا مع معالج أو مستشار نفسي حتي توضع خطة مناسبة للإفصاح ولمواجهة التداعيات، ومعرفة ما يجب أن نفصح عنه وما يجب أن نحتفظ به، فقد نعلن عن شئ إجمالا ولكن نحتفظ بالتفاصيل قدر الإمكان لأنها ربما تؤذي الطرف الآخر، وكمثال علي ذلك لو أن امرأة كانت متزوجة من شخص آخر أو مخطوبة، فهي تعلن عن ذلك لزوجها ولكن لا تذكر تفاصيل حياتها مع الزوج أو الخطيب السابق، كما علينا توقع إستجابة الطرف الآخر بناء علي معرفتنا بشخصيته وردود أفعاله، وأن نكون مؤهلين للتعامل مع إستجابته، كما يجب أيضا إختيار الوقت والظرف المناسب لنا وللطرف الآخر، فلا يجوز أن يكون ذلك عند الذهاب للنوم أو عند الرجوع من العمل أو الوقوع تحت ضغوط نفسية أو الإصابة بمرض جسدي أو نفسي، وأن نكون مستعدين للإجابة عن تساؤلات وإستفسارات يطرحها الطرف الآخر دون أن نتورط في الدخول في تفاصيل تزيد الأمور تعقيدا، وقد نعتذر عن عدم ذكر تلك التفاصيل إذا كانت تتعلق بأشخاص آخرين لا نود ولا يجوز إفشاء أسرارهم دون إذنهم، وهذا يكون إعتذارا منطقيا عن عدم ذكر بعض التفاصيل، ومن الأفضل أن نتفق علي وقت أو علي مكان مسبقا حتي يكون الطرفين مهيئين للموقف، وألا يكون الإفصاح مفاجئا، فالطرف المفصح عن أسراره يختار بدقة الوقت والموضوع بالقدر المناسب وبطريقة جيدة تؤدي إلي راحة النفس وتقوية العلاقة والثقة بالطرف الآخر، ثم يأتي دور الطرف المستقبل، فهو يحتاج لمهارة الإنصات الإيجابي وألا يقاطع حتي ينتهي محدثه تماما، ولا يعطي إشارات مبكرة تقطع الإسترسال أو التواصل، ويحتاج للقدرة علي التقبل والتفهم والتسامح، وأيضا إلي قراءة اللغة اللفظية وغير اللفظية للآخر، وأن تكون إستجاباته إيجابية وبناءة وعلي قدر من المسئولية.
وأخيرا فالسر أمانة في داخلنا لا ينطلق إلي الخارج إلا إذا كان يحقق نتائج إيجابية لنا وللآخرين، وحين نطلقه لابد أن نعرف متي وكيف وأين ولمن؟... فهو حين ينطلق من أفواهنا لا نملك رده أو التحكم فيه.
الكاتب: ريهام عبد السميع.
المصدر: موقع جريدة الأهرام المصرية.